تقع فيه منافاة، فلما لم يفعل دل ذلك على المنع، وجواب هذا أنه ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف مرتين، كما أخرجه أبو داود عن أبي بَكْرة صريحًا، ولمسلم عن جابر نحوه.
وأجيب عما قبل هذا من كون ذلك كان قبل النهي عن صلاة الفريضة مرتين، باحتمال أن يكون النهي عن أن يصلوها مرتين على أنها فريضة، وبذلك جزم البَيْهَقِيّ جمعاً بين الحديثين، بل لو قال قائل: هذا النهي منسوخ بحديث مُعاذ لم يكن بعيدًا , ولا يقال القصة قديمة, لأن صاحبها استشهد بأُحُد، على أنه سليم كما يأتي, لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة، فلا مانع أن يكون النهي في الأول والإذن في الثالثة، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم، للرجلين اللذين لم يصليا معه "إذا صَلَّيتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلياها معهم، فإنها لكما نافلة" أخرجه أصحاب السنن عن يزيد بن الأسود العامريّ، وصححه ابن خُزْيمَةَ وغيره، وكان ذلك في حجة الوداع، في آخر حياته عليه الصلاة والسلام.
ويدل على الجواز أيضًا أمره صلى الله تعالى عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده، ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها، أن صلوها في بيوتكم في الوقت ثم اجعلوها معهم نافلة. وأجاب القائلون بصحة الاقتداء عما مرَّ من الاعتراضات، ولكن قال في الفتح: أسلم الأجوبة التمسك بالزيادة المتقدمة.
وفي الحديث أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وفيه جواز إعادة الصلاة الواحدة في اليوم الواحد مرتين، ولكن على سبيل أنهما فرض، وفيه جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما لغير عذر فاستدل به بعضهم، وتعقب وقال ابن المنير: لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر, لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظةُ على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفردًا، وفي "شرح المُهَذَّب": اختلف العلماء فيمن دخل مع إمام في صلاة فصلى بعضها، هل يجوز له أن يخرج منها؟ فاستدل أصحابنا بهذا على أن للمأموم أن يقطع القدوة، ويتم صلاته منفردًا وإن لم يخرج منها، وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر، والثاني لا يجوز مطلقاً، والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح. قال العَيْنِيّ: أصحابنا لا يجيزون شيئًا من ذلك، وهو مشهور مذهب مالك، وعن أحمد روايتان, لأن فيه إبطال العمل، والقرآن قد منع من ذلك.
لا أعلم قولًا عند المالكية بجواز قطع المأموم الاقتداء والإتمام لنفسه منفردًا لغير عذر, لأنه ألزم نفسه بحكم الاقتداء، وعندهم قولان, لأن إذا طّول الإمام في القراءة طولًا خاف المأموم بسببه فوات ما يلحقه بفوته ضرر شديد، هل يجوز له أن يخرج عنه بالنية، ويتم لنفسه، أو لا يجوز؟ وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلى فيه بالجماعة، قال في "الفتح": إذا كان لعذر، قال