وذكر المَدَانيّ لعَديّ قصة مع عثمان، والجمع بين الكلامين أنهما اثنان عَدِيّ الأكبر وعَدِيّ الأصغر، فالذي أسلم في الفتح هو والد عُبيد الله هذا، والآخر قتل ببدر، وفي صحيح البخاري أن عثمان قال له: يا بني أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا، ولكن خلص إليّ من علمه. ومراده أنه لم يدرك السماع منه بقرينة، ولكن خلص.
وقال ابن إسحاق: حدثني الزّهريّ عن عطاء بن يزيد عن عُبيد الله بن عدي، وكان من فقهاء قريش وعلمائهم، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين، وقال: أمه أم قَتّال بنت أَسِيد بن أبي العِيص، أخت عَتّاب بن أَسِيد. وقال: تابعيّ ثقة من كبار التابعين، وهو ابن أخت عثمان، كذا قال، ولعل الصواب عتاب. روى عن عمر وعثمان وعلي والمقداد ووحشي بن حرب، وروى عنه عُروة وعطاء بن يَزِيد وحُمَيد بن عبد الرحمن وعُرْوَة بن عِيَاض وغيرهم، كانت وفاته بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك، قال ابن حِبّان في ثقات التابعين, مات سنة خمس وتسعين.
فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة والقول، ورواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعضهم، وفيه أولا قال البخاريّ قال لنا محمد بن يوسف، وهو شيخه، قيل: عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه عن شيخه في المذاكرة، فلم يقل فيه حدثنا. وقيل: إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض، وقيل: هو متصل من حيث اللفظ، منقطع من حيث المعنى. قال في "الفتح" والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو أنه متصل، لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفًا، أو كان فيه راوٍ ليس على شرطه. والذي هنا من قبيل الأول، هذا ما قاله في "الفتح".
قال العَيْنِيّ: إذا كان الراوي على غير شرطه، كيف يذكره في كتابه؟ وهذا اعتراض باطل، فإنه ذكره مخافة فوات المصلحة، ونبه على ما فيه بقوله: هذا الذي لا يقوله فيما هو تام الصحة.
ثم قال: وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ لاَبُدَّ مِنْهَا.
قوله: يُصَلّى بالبناء للمجهول. وقوله: المخنث، روى بكسر النون وفتحها، والأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء، والثاني المراد به من يؤتى، وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التِّين، محتجًا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان أصل خلقته، ورد بأن المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء، فإن ذلك بدعة قبيحة، ولهذا جوز الداوديّ أن يكون كل منهما مرادًا.
قال ابن بطال: ذكر البُخاريّ هذه المسألة هنا, لأن المخنث مفتتن في طريقته. وقوله: إلا من ضرورة، أي بأن يكون ذا شوكة، أو من جهة فلا تعطل الجماعة بسببه. وهذا التعليق رواه معمر عن الزّهريّ بغير قيد، أخرجه عبد الرزاق عنه، ولفظه "قلت: فالمخنث؟ قال: لا، ولا كرامة، لا يؤتم به" وهو محمول على حالة الاختيار. والزَّبيديّ المراد به أبو الهُذَيل، وقد مرَّ في التاسع عشر من العلم، ومرَّ الزُّهْرِيّ في الثالث من بَدْء الوَحي.