وقوله: فلكم وعليهم، أي لكم ثوابها وعليهم عقابها, لأن "على" تستعمل في الشر واللام في الخير. وقيل: لكم ثواب الطاعة والسمع، وعليهم إثم ما صنعوا وأخطؤا. وقيل: إن صليتم أفذاذًا في الوقت فصلاتكم تامة إن أخطؤا في صلاتهم، وأتممتم أنتم بهم، ومعنى كون غير الصواب لهم مع أنه لا خير فيه حتى يكون لهم، هو أن صلاتكم لكم، وكذا ثواب الجماعة لكم.
وقال المُهَلَّب: فيه جواز الصلاة خلف البَرّ والفاجر إذا خيف منه، يعني إذا كان صاحب شوكة. وفي "شرح السنة" للبَغَويّ فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثًا أنه تصح صلاة المأمومين خلفه، وعليه الإعادة، وهذا في مذهب الشافعيّ, لأنّ المؤتم عنده تبع الأمام في مجرد الموافقة لا في الصحة، فلأجل هذا قالوا إن خطأ الإمام في بعض غير مؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب، فلو ظهر بعد الصلاة أن الإمام جنب أو محدث أو في بدنه أو ثوبه نجاسة خفيفة، فلا تجب إعادة الصلاة على المؤتم به، بخلاف النجاسة الظاهرة لكن قطع صاحب التتمة والتهذيب وغيرهما بأن النجاسة كالحَدَث، ولم يفرقوا بين الخَفيفة وغيرها.
واستدل به غير البَغَويّ على أعم من ذلك، وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة، ركنًا كان أو غيره، إذا أتم المأموم، وهو وجه عند الشافعية، بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم أنه ترك واجبًا، ومنهم مَنْ استدل به على الجواز مطلقًا، بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد. قال: ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البَسْمَلة، ولا أنها من أركان القراءة، ولا أنها آية من الفاتحة، بل يرى أن الفاتحة تجزىء بدونها، فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البَسْمَلة, لأن غاية الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ، وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يوثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب.
وقال ابن المُنْذِر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت تفسد صلاة من خلفه، وقيل: إن أحمد مثل الشافعيّ في عدم ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وعند المالكية والحنفية أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، إذا فسدت صلاته تفسد صلاته، واستثنت المالكية من ذلك مسائل مجموعة في نظم ميارة وتذييله للشيخ البُنانيّ وهو:
كل صلاة بطلتْ على الإمام ... تبطُلْ على من خلفه من الأنام
إلا لدى عشرة مع اثنينْ ... فبطلها على الإمام دون مَيْن
ذكر النجاسة سقوطها وزِدْ ... نسيانه الخبث سبق وقد يرد
وكشفُ عَوْرةٍ سجودٌ غَفَلا ... إن عن ثلاثة وطال فاقْبَلا
وإن على نفسٍ يخف أو مالِ ... أو ظهره فاعدد ولا تبالي
مسافِرٌ لدى الصلاة قد نَرَى ... إقامةً ظَنّ الرُّعاف قل سوى
مُقَهْقِه غُلِب وإذا نسيْ ... أبطلها للكلِ عامدٌ مُسِيْ