وأما سالم، فهو سالم بن مَعْقِل على ما قال ابن أبي داود، مولى أبي حُذَيْفَةَ بن عُتْبَة بن ربيعة بن عَبْدِ شَمْس بن عبد مناف، يكنى أبا عبد الله، كان من أهل فارس من اصْطَخْر، وقيل من عَجَم الفُرسْ من كِرمان، كان من خيار الموالي، أحد السابقين الأولين، أعتقته امرأة من الأنصار زوجة أبي حُذَيفة، سائِبَة. فوالى أبا حُذَيفة، وتَبَنَّاه كما تبنى النبي -صلى الله عليه وسلم- زيدَ بن حَارِثة، فكان أبو حُذَيفة يظن أنه ابنه، فزوجه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة، فلما أنزل الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، رد كل أحد تبنى ابنًا من أولئك إلى أبيه، ومن لم يعرف أبوه رد إلى مواليه، كما أخرجه مالك في الموطأ مع قصة إرضاعه الآتية.
واختلف في اسم الأنصارية التي عتقته، مع الاتفاق على أنها بنت يَعار، زوجة أبي حُذَيفة، كما قال ابن عبد البَرّ. فقيل: اسمها ثُبَيَّة بنت يَعار بن زَيْد بن عبيد بن زَيْد الأنصاريّ الأوْسيّ. وقيل: بَثْنَة، وقيل عَمْرَة، وقيل سَلمى، وقيل ليلى، وقيل فاطمة، فهو معدود من المهاجرين لما مرَّ من تبني أبي حُذَيفة له، ومعدود من الأنصار في بني عبيد، لعتق مولاته الأنصارية له، ومعدود في العجم لما مرَّ، وفي القراء لما في هذا الحديث "كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا" ولما رواه البُخَاريّ ومُسْلم والنَّسائيّ عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، رفعه "خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حُذَيفة، وأُبيّ بن كَعْب، ومُعاذ بن جَبَل" ومن طريق ابن المُبارك عن ابن سابِط "أن عائشة احتبست على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما حبسك؟ قالت: سمعت قارئًا يقرأ، فذكرت من حسن قراءته فأخذ رداءه وخرج، فإذا هو سالم مولى أبي حُذَيفة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك".
وأخرجه أحمدُ وابن ماجَه، والحاكم في المستدرك، من طريق الوَليد بن مُسْلم عن عائشة موصولًا، وابن المبارك أحفظ من الوليد، ولكنْ له شاهد أخرجه البَزَّار عن عائشة قالت: "سمع النبي-صلى الله عليه وسلم- سالمًا مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله".
ورجاله ثقات، وقصته في الرضاع مشهورة، فعند مسلم عن عائشة "أن سالمًا كان مع أبي حُذَيفة، فأتت سَهْلَةُ بنت سُهَيل بن عمرو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن سالمًا بلغ ما يبلغ الرجال، وإنه يدخل عليّ، وأظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال: أرضعيه تحرمي عليه" الحديث.
ومن طريق الزُّهريّ عن أم سَلَمة أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة رخصها