أهل الحديث والأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه؛ لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعيّ الذي يلزم اتباعه، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى، أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ من توقيف، فيقوى جانب الرفع جدًا.
وفي رواية روح بن عطاء المذكورة: "فأمر بلالًا"، بالنصب، وفاعل أمر هو النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم، وأصرح من ذلك رواية النَّسائيّ وغيره، عن قُتيبَة بلفظ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بلالًا. قال الحاكم: صرح برفعه إمام الحديث، بلا مدافعة، قُتيبة، ولم ينفرد به قُتيبة عن عبد الوهاب، بل أخرجه أبو عَوانة في صحيحه، والدارقطنيُّ عن يحيى بن مَعين، عن عبد الوهاب، ولم ينفرد به عبد الوهاب، بل رواه البَلاذُرِيّ، عن ابن شهاب الجنّاط، عن أبي قِلابة، وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا غيره، كما استدل به ابن المنذر وابن حبَّان.
وقوله: "أن يَشْفع الأذان"، بفتح أوله، وفتح الفاء، أي: يأتي بألفاظه شفعًا. قال الزَّين بن المُنِير: وصف الأذان بأنه شفع، يفسره قوله في الباب الآتي بعد هذا: "مثنى مثنى"، أي: مرتين مرتين، وذلك يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك، لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله: "مثنى" على ما سواها. قال في "الفتح": وكأنه أراد بذلك تأكيد مذهبه في ترك تربيع التكبير في أوله، لكن لمن قال بالتربيع أن يدّعي نظر ما ادعاه لثبوت الخبر بذلك.
وقوله: "وأن يُوتر الإقامة، أي: يجعلها وترًا، واستدل بهذا الحديث مالك، ومن قال بقوله، على أن الأذان مشفع جميعًا، أي: مثنى مثنى، تكبيره الأول وغيره، إلا كلمة التوحيد الأخيرة كما مر، إشارة إلى الانفراد بالربوبية، وعلى أن الإقامة مفردة، واستثنوا من ذلك التكبير أولًا وآخرًا، فإنه مثنى. وقالت المالكية بترجيع الشهادتين في الأذان بأن يشهد بالوحدانية ثنتين، ثم بالرسالة، ثم