الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث، فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح.

وتمسك بظاهر الحديث أيضًا الحنابلة ومن قال بقولهم، من أن تارك الصلاة يكفر، وجوابهم ما تقدم. وأيضًا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك. وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقًا، فمنهم من أوَّل سبب الترك، ومنهم من أوّل الحبط، ومنهم من أوَّل العمل، فقيل: المراد من تركها جاحدًا لوجوبها أو معترفًا، لكنه مستخف مستهزىء بمن أقامها، وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من غيره.

وقيل: المراد من تركها متكاسلًا، لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد، وظاهره غير مراد، كقوله: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وهذا هو أقرب التأويلات. وقيل: هو من مجاز التشبيه، كأنَّ المعنى: فقد أشبه من حبط عمله. وقيل: معناه كاد أن يحبط، وقيل: المراد بالحبط نقصانُ العمل في ذلك الوقت الذي ترتفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، فكأنَّ المراد بالعمل الصلاة خاصة، أي: لا يحصل على أجر من صلى العصر، ولا يرتفع له عملها حينئذ. وقيل: المراد بالعمل في الحديث عملُ الدنيا الذي بسبب الاشتغال فيه ترك الصلاة، يعني: أنه لا ينتفع به ولا يتمتع. وقيل: المراد بالحبط الإبطال، أي: يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما، ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته، فإنه موقوف في المشيئة، فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك، وإن عُذب ثم غفر له، فكذلك، وهذا من كلام ابن العربيّ، وقد مرّ كلامه مستوفى في باب "خوف المؤمن من أن يحبط عمله" في كتاب الإيمان.

رجاله ستة:

الأول: مسلم بن إبراهيم، والثاني: هشام بن أبي عبد الله الدستوائيّ، وقد مرّا في السابع والثلاثين من الإيمان، ومرّ أبو قِلابة في التاسع منه، ومرّ يحيى بن أبي كثير في الثالث والخمسين من العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015