حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ.
قوله: "يعرف جليسه"، أي: الذي بجنبه، وفي رواية الجوزقي عن شعبة: "فينظر الرجل إلى جليسه إلى جنبه، فيعرف وجهه"، ولأحمد: "فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه"، ولمسلم: "فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه" وله في أخرى: "وننصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض"، واستدل بهذا على التعجيل بصلاة الصبح، لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في آخر الغَلَس، وقد صرح بأن ذلك كان بعد فراغ الصلاة، ومن المعلوم من عادته صلى الله تعالى عليه وسلم ترتيل القراءة، وتعديل الأركان، فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسًا.
وادّعى ابن المنير أنه مخالف لحديث عائشة، حيث قالت فيه: "لا يعرفن من الغَلس"، وتعقب بأن الفرق بينهما ظاهر، وهو أن حديث أبي برزة متعلق بمعرفة من هو مُسفر جالس إلى جنب المصلي، فهو ممكن. وحديث عائشة متعلق بمن هو متلفف، مع أنه على بعد، فهو بعيد، وقوله: "ويقرأ فيها ما بين الستين إلى المئة"، أي: في الصبح، وفي الرواية الآتية قريبًا، ويقرأ بالستين إلى المئة، يعني من الآي. وقدرها في رواية للطبراني بالحاقة ونحوها. وأشار الكرماني في قوله: "ما بين"، إلى أن القياس أن يقول ما بين الستين والمئة،