المنع من التأخير. وقيل: المعنى قول خبَّاب: فلم يُشْكِنا، أي: فلم يحوجنا إلى شكوى، بل أذن لنا في الإِبراد، ويردّه أن في الخبر زيادة رواها ابن المنذر بعد قوله: "فلم يشكنا"، وقال: إذا زالت الشمس فصلوا. قلت: يكفي من رد هذا قول خبّاب: "شكونا" فكيف يقال: لم يحوجهم إلى الشكوى؟
والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة أو مطلقة، والأمر بالإبراد خاص، فهو مقدم، ولا التفات إلى من قال التعجيل أكثر مشقة فيكون أفضل، لأن الأفضلية لم تنحصر في الأشق، بل قد يكون الأخف أفضل كما في قصر الصلاة في السفر.
وقوله: "بالصلاة"، كذا للأكثر، والباء للتعدية، وقيل زائدة، وفي رواية الكشميهني: "عن الصلاة"، فقيل: زائدة أيضًا، أو عن بمعنى الباء، كقوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، أو هي للمجاوزة، أي: تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحَر، أو ضَمَّن أبردوا معنى التأخير، فعدى بعن، أي: إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين، أو أبردوا متأخرين عنها. وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، وقد استشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي، فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وان كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
وأجيب بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر، بمعونة القرينة اللفظية. وقد يعكس كما مثلناه، ومنه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، أي: لتكبروه حامدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبرين على ما هداكم، وكقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}، أي: حال كونهم خارجين عن أمره، فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه، فجعْله أصلًا، وجعْل المذكور حالًا وتبعًا أَوْلى، فالجواب أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة، لا على زيادة القصد إليه، إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأول أصلًا، والتبع حالًا. وقوله: فإن شدة الحر من فيح جهنم،