على أن جبريل كان كلما فعل جزءًا من الصلاة تابعه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بفعله، وبهذا جزم النووي. وقال: غيره: الفاء بمعنى الواو، واعترض بأنه يلزم أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل، على ما يقتضيه مطلق الجمع، وأجيب بمراعاة الحيثية، وهي التبيين، فكان لأجل ذلك يتراخى عنه، وقيل: الفاء للسببية، كقوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}، وفي رواية الليث عند المصنف: "نزل جبريل فأَمَّني، فصليت معه"، وفي رواية عبد الرزاق: "نزل فصلى، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلى الناس معه"، وهذا يؤيد رواية نافع بن جبير المتقدمة، وإنما دعاهم إلى الصلاة بقوله: "الصلاة جامعة"، كما مرَّ، لأن الأذان لم يكن شُرع حينئذ.
واستدل بهذا الحديث على جواز الائتمام بمن يأتم بغيره، ويجاب عنه بما يجاب به عن قصة أبي بكر في صلاته خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وصلاة الناس خلفه، فإنه محمول على أنه كان مبلغًا فقط، كما يأتي تقريره في أبواب الإِمامة. واستدل به أيضًا على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، من جهة أن الملائكة ليسوا بمكلفين بمثل ما كلف به الإنس. قاله ابن العربيّ وغيره.
وأجاب عنه عياض باحتمال أن لا تكون تلك الصلاة كانت واجبة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حينئذ، وتعقبه بما تقدم من أنها كانت صبيحة ليلة فرض الصلاة، وأجاب باحتمال أن الوجوب عليه كان معلقًا على البيان، فلم يتحقق الوجوب إلا بعد تلك الصلاة. قال: وأيضًا لا نُسَلِّم أن جبريل كان متنفلًا، بل كانت تلك الصلاة واجبة عليه؛ لأنه مكلف بتبليغها، فهي صلاة مفترض خلف مفترِض. وقال ابن المنير: قد يتعلق به من يجوز صلاة مفترض بفرض، خلف مفترض بفرض آخر، قال في "الفتح": وهو مسلم له في صورة المؤداة مثلًا خلف المقضية، لا في صورة الظهر خلف العصر. قلت: مذهب مالك يشترط في صحة الاقتداء المساواة في عين الصلاة، فلا يصح ظهر خلف المصلي للعصر، وفي الصفة، فلا يصح الأداء خلف القضاء ولا العكس، وفي