حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، وَقَالَ: "لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ".
قوله: أُهدِي، بضم أوله من الإهداء، والذي أهداه هو أُكَيدر بن عبد الملك، صاحب دومة الجندل. وقوله: كالكاره له، وفي حديث جابر عند مسلم "صلى في قَباء ديباج، ثم نزعه وقال: نهاني عنه جبريل" فالنهي سبب نزعه له، وذلك ابتداء تحريمه. وقوله: لا ينبغي هذا، يحتمل أن تكون الإشارة اللبس وتحتمل أن تكون للحرير، فيتناول غير اللبس من الاستعمال كالافتراش، ويأتي الكلام عليه قريبًا إن شاء الله تعالى. ورجَّح عياض أن المنع فيه لكونه حريرًا، واستدل لذلك بحديث جابر المار قريبًا.
وقوله: للمتقين، يحتمل أن يكون نزعه لكونه كان حريرًا صرفًا، ويمكن أن يكون نزعه لكونه من جنس الأعاجم، فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي عمر، رفعه "من تشبه بقوم فهو منهم" والتردد مبني على تفسير المراد بالمتقين، فإن كان المراد مطلق المؤمن حُمِل على الأول، وإنْ كان المراد به قدرًا زائدًا على ذلك، حمل على الثاني. وقد قال القرطبي في "المفهم": المراد بالمتقين المؤمنون الذين خافوا الله تعالى، واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له. وقال غيره: لعل هذا من باب التهيج للمكلف على الأخذ بذلك؛ لأن من سمع أنَّ مَن فعل ذلك كان غير متقٍ، فهم منه لا يفعله إلا المستحق، فيأنف من فعل ذلك، لئلا يوصف بأنه غير متقٍ. وقد استوفينا الكلام على التقوى ومراتبها في آخر حديث من كتاب الإِيمان استيفاء لا مزيد عليه.