هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه، لم يعزُها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا نقلها عنه، ولا أضافها إلى قوله، فحاصل الأمر في النقل أنها من جهة الراوي، إما من أنس، واما من شريك، فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة.
قال في الفتح: وما نفاه من أن أنسًا لم يسند هذه القصة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تأثير له، فأدنى أمره فيها أن يكون مرسل صحابيّ، فإما أن يكون تلقاها عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عن صحابيّ تلقاها عنه، ومثل ما اشتملت عليه لا يقال بالرأي، فيكون لها حكم الرفع، ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلًا، وهو خلاف عمل المحدثين قاطبة، فالتعليل بذلك مردود، وأما عبد الحق فقد قال: زاد فيه شريك زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بحافظ.
وأما ابن حزم فقد قال: لم نجد للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئًا لا يحمل مخرجًا إلَّا حديثين، ثم عليه الوهم في تخريجه مع إتقانهما، وصحة معرفتهما، فذكر هذا الحديث وقال: فيه ألفاظ معجمة، والآفة من شريك، من ذلك قوله "قبل أن يوحى إليه" "وأنه حينئذ فرض عليه الصلاة" وقوله "إن الجبار دنا فتدلى" ... الخ، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى الكلام على هاتين.
قال أبو الفضل بن طاهر تعليل الحديث بتفرد شريك، ودعوى ابن حزم أن الآفة منه شيء لم يسبق إليه، فإنّ شريكًا قبله أئمة "الجرح والتعديل" ووثقوه، وهذا الحديث رواه عنه ثقة، وهو سليمان بن بلال، وعلى تقدير تعزو بقوله "قبل أن يوحى إليه" لا يقتضي طرح حديثه، فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولاسيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور، ولو ترك حديث من وهم في موضع، لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين، وأما مسلم، فإنه قال بعد أن ساق سنده وبعض المتن: قدَّم وأخر وزاد ونقص. والأوْلي في أمره التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره، والجواب عنها إما