حِسان ... الحديث". وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه "أن إبراهيم عليه السلام قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا بني إنك لاقٍ ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جُلُّها في أمتك فافعل".
وعند الواقديّ بأسانيده في أول حديث الإسراء "كان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وهو نائم في بيته ظهرًا، أتاه جبريل وميكائيل، فقال: انطلق إلى ما سألت، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأُتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرًا، فعرجا به إلى السموات، فلقي الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه الخمس" فلو ثبت هذا لكان ظاهرًا في أنه معراج آخر، لقوله إنه كان ظهرًا، وأن المعراج كان من مكة، وهو مخالف لما في الروايات الصحيحة في الأمرين معًا، ويعكر على التعدد قوله: إن الصلوات فرضت حينئذ، إلَّا إنْ حُمل على أنه أعيد ذكره تأكيدًا، أو فرع على أن الأول كان منامًا وهذا يقظة، أو بالعكس.
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان، ولا يقتصر على أنا، لأنه ينافي مطلوب الاستفهام، وأنّ المار يسلم على القاعد، وإنْ كان المار أفضل من القاعد. وفيه استحباب تَلَقِّي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه. وفيه جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره، مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور، وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة.
وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار، لما وقع من الإسراء بالليل، ولذلك كانت أكثر عبادته عليه الصلاة والسلام بالليل، وأكثر سفره فيه. وقال عليه الصلاة والسلام: عليكم بالدُّلْجة فإن الأرض تطوى بالليل". وأيضًا اختص الإسراء بالليل لأنه وقت الخلوة والاختصاص، ومجالسة الملوك، وهو أشرف من مجالستهم نهارًا، وهو وقت مناجاة الأحبة، وكان بالليل أيضًا يزداد الذين آمنوا إيمانًا بالغيب، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، إذ الليل أخفى حالًا من