صفة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فدعا الله أن يجعله منهم، فكان إشفاقه عليهم كعناية مَنْ هو منهم، وقد وقع من موسى عليه السلام في هذه القصة، من مراعاة جانب النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمسك عن جميع ما وقع له حتى فارقه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أدبًا معه وحسن عِشرة. فلما فارقه بكى وقال ما قال.
وأما قول من قال: إنه أوّل من لاقاه بعد الهبوط، فليس بصحيح؛ لأن حديث مالك بن صعصعة فيه أنه لقيه في السماء السادسة، وهو الأقوى، وإبراهيم قبله في السابعة، وإذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في السادسة عند الصعود، وصعد موسى إلى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط، ارتفع الإِشكال وبطل الرد المذكور. وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لما كان موسى قد سأل الرؤية فمنع، وعرف أنها حصلت لمحمد عليه الصلاة والسلام، قَصَد بتكرير رجوعه تكرير رؤيته، ليرى من رأى، كما قيل لعلي أراهم، أو أرى من رآهم، لكن هذا يحتاج إلى ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة.
وأبدى ابن المنير حكمة لطيفة في قوله -صلى الله عليه وسلم-، لموسى عليه السلام، لما أمره أن يرجع بعد أن صارت خمسًا فقال: استحييت من ربي، قال ابن المنير: يحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- تفرّس من كون التخفيف وقع خمسًا خمسًا أنه لو سأل التخفيف بعد أن صارت خمسًا لكان سائلًا في رفعها، فلذلك استحيا، ودلت مراجعته عليه الصلاة والسلام لربه، في طلب التخفيف تلك المرات كلها، أنه علم أن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام، بخلاف المرة الأخيرة، ففيها ما يشعر بذلك، لقوله سبحانه وتعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29].
ويحتمل أن يكون سبب الاستحياء هو أن العَشْرة، يعني من السؤال، آخر جمع القلة، وأول جمع الكثرة، فخشي إذا وصلها أن يدخل في الإلحاح في السؤال، لكن الإِلحاح في الطلب من الله مطلوبٌ، فكأنه خشي من عدم القيام بالشكر.
وقوله: ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا