ومنها أنه أثقل الجواهر، فناسب ثقل الوحي.
وقال السهيليُّ وغيره: إن نُظِر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه، ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه، وإنْ نُظر إلى معناه فلوضاءَته ونقائه وصفائه، ولثقله ورسوبته، والوحي ثقيل، قال الله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] والقول هو القرآن. وقال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102]، ولأنه أعز الأشياء في الدنيا، ولعل هذا كان قبل أن يحرّم استعمال الذهب في هذه الشريعة، لا تحريمه كان في المدينة المنورة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في اللباس. ولا يكفي أن يقال إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة، لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه أن يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم، ويمكن أن يقال إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا، وما وقع في تلك الليلة كان من أحوال الغيب، فيلحق بأحوال الآخرة.
وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف بالذهب؛ لأن المستعمل له الملك، فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به، وأيضًا فإن ذلك وقع على أصل الإباحة كما مرَّ. ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم: إن الطست يناسب (طس تلك) آية القرآن، وقوله: ممتلىء حكمةً وإيمانًا، كذا وقع هنا بالتذكر على معنى الإناء، لا على لفظ الطست، لأنها مؤنثة. وفي رواية مالك بن صعصعة "مملوءة" بالتأنيث مراعاةً للفظ الطست. وفي رواية له "ملآن" وفي رواية "ملأى" وفي خط الدّمياطيّ "مُلىء" بضم الميم على لفظ الفعل الماضي، وحكمة وإيمانًا نصبا على التمييز، والمعنى أن الطست جعل فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة، فسمى حكمة وإيمانًا مجازًا، وهذا الملء يحتمل أن يبهون على حققته، وتجسُّد المعاني جائز كما ورد أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظُلَّة، والموت في صورة كبش، وكذلك وزن الأعمال ونحو ذلك من أحوال الغيب.
وقال البيضاويّ: لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرًا