وفي أول بدء الخلق "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان" وهو أعم. وفي رواية الواقديّ بأسانيده "أنه أُسري به من شِعْب أبي طالب". وفي حديث أم هانىء عند الطبرانيّ أنه بات في بيتها، قالت: ففقدته من الليل، فقال: "إن جبريل أتاني" والجمع بين هذه الأقوال أنه بات في بيت أم هانىء، وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته، وأضاف البيت إليه، لأنه كان سكنه منزل المَلَك فأخرجه من البيت إلى المسجد، فكان به مضطجعًا، وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد، فأركبه البراق. ووقع في مرسل الحسن عند أبي إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق. وهو يؤيد هذا الجمع.
وقوله في الرواية السابقة: بين النائم واليقظان، محمول على ابتداء الحال، ثم لما خرج الي باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك في كتاب التوحيد "واستيقظ وهو في المسجد الحرام" فإنْ قلنا بالتعدد فلا إشكال، وإلاّ فإنْ حمل على ظاهره جاز أن يكون نام بعد أن هبط من السماء، فاستيقظ وهو عند المسجد الحرام. وجاز أن يؤول قوله استيقظ أي فاق مما كان فيه، فإنه كان إذا أُوحي إليه يستغرق بمشاهدة الملكوت، فإذا انتهى رجع إلى حالته الأولى في العالم الدنيويّ، فكنى عنه بالاستيقاظ. وقال ابن أبي جمرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: إنه كان يقظان لأخبر بالحق، لأنّ قلبه في النوم واليقظة سواء، وعينه أيضًا لم يكن النوم تمكن منها لكنه تحرّى -صلى الله عليه وسلم- الصدقَ في الإخبار بالواقع له، فيؤخذ منه أنه لا يُعدل عن حقيقة اللفظ للمجاز إلاّ لضرورة.
وقوله: ففَرَجَ صدري، بفتح الفاء وبالجيم، أي شقه. ورجح عياض أنّ شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته في بني سعد، وتعقبه السهيليّ وغيره بأن الروايات تواردت به، وثبت شق الصدر أيضًا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، ولكل منهما حكمة، فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس "فأخرج علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك" وكان هذا في زمن الطفولية، فنشأ على كمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شق