نحو عشرين، تأتي إن شاء الله تعالى في اليمين. وقوله: أشد مِلأةً، بكسر الميم وسكون اللام بعد همزة، أي امتلاءً، وفي رواية البيهقيّ "أملأ منها" والمعنى أنهم يظنون أن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كانَ أولًا. قال بعض العلماء الأقدمين: إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها، لأنها كانت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد، فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب.
قلت: الذين أخذوها لم يأخذوا شيئًا من مائها، وإنما أتوا بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبعد مجيئها له لم ينقص من مائها شيئًا، بل زاد كما هو ظاهر الحديث، فلا يحتاج إلى ما ذكر، وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوته، حيث توضأوا وشربوا وسقوا واغتسل الجنب، بل رواية مسلم بن زرير أنهم ملأوا كل قربة كانت معهم، مما سقط من العزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين، بل تخيل الصحابة أن ماءهما أكثر مما كان أولًا.
وقوله: اجمعوا لها لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها، وما نالها من مخافتها أخذ مائها، لا أنه عوض عما أُخذ من الماء، ففيه جواز الأخذ للمحتاج برضى المطلوب منه، أو بغير رضاه إن تعين. وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الريبات والإباحات من غير لفظ من المعطي والآخذ. وقوله: من بين عَجوة، بفتح أوله، تمر بالمدينة معروف. وقوله: ودقيقة وسويقة، بفتح أولهما، ولكريمة بضمة مصغران مع تثقيل الثاني. وقوله: حتى جمعوا لها طعامًا، زاد أحمد في روايته كثيرًا وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة، خلافًا لمن أبى ذلك، ويحتمل أن يكون قوله: حتى جمعوا لها طعامًا ما، أي غير ما ذكر من العجوة وغيرها. وقوله: قال: تَعَلَّمين، بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام، أي اعلمي، وللإسماعيليّ: قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وللأصيلىّ: قالوا فتحمل على أنهم قالوا لها ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام.
وقوله: ما رَزِئنا من مائك شيئًا، بفتح الراء وكسر الزاي، ويجوز فتحها،