في عدم المطهرين: الماء والتراب، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة؛ لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهرين، ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وحاصل مذاهب العلماء فيها خمسة أقوال: أربعة منها عند المالكية، كل واحد منها موافق لمذهب آخر إلاَّ القول الأول، وعندهم خاص لم يوافقوا عليه أيضًا. وكذلك عند الشافعية فيها أربعة أيضًا.
فمشهور مذهب مالك أنها ساقطة أداء وقضاء. قال خليل: وتسقط صلاة وقضاؤها بعدم ماء وصعيد، ووجهه هو أن الطهر أداء وقضاء شرط في الوجوب. وعند ابن القاسم يصلي ويقضي، وهو مشهور مذهب الشافعيّ، أوجبوا الصلاة لحديث الباب، وأوجبوا القضاء احتياطًا، ولأن هذا عذر نادر لا يسقط الإِعادة. وقال أشهب: تجب الصلاة ولا يعيد، وهذا هو المشهور عنه وبه قال المزنيّ وابن المنذر، واختاره النوويّ في شرع المهذب قائلًا: إنه أدى وظيفة الوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد، ولم يثبت فيه شيء، واحتج أهل هذا القول بحديث الباب قائلين: لو كانت الإِعادة واجبة لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وأُجيب بأن الإِعادة ليست على الفور، ويجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
قلت: مذهب المالكية أن الإِعادة على الفور. والرابع قول أَصْبَعْ: تحرم الصلاة الآن، لكونه محدثًا، ويجب القضاء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وبه قال النَّوريّ والأوزاعيّ، وقولٌ عند الشافعية.
والخاص عند المالكية قول القابسيّ، وهو أن المصلوب يومىء إلى الأرض بوجهه وكفه قاصدًا التيمم، وينوي الصلاة. وعند الشافعية قول حكاء النوويّ: تستحب الصلاة، وتجب الإِعادة. ونظم بعض المالكية الأقوال الموجودة في مذهبهم فقال:
ومن لم يجد ماء ولا مُيَمَّمًا ... فأربعة الأقوال يحكين مذهبًا