ومال مالك إلى الجواز، وهو قول أهل المدينة، ويدُلُّ على الجواز ما رواه بن أبي شيبة عن أبي هُريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في جِنازة، فرأى عمر امرأة، فصاح بها، فقال: "دعها يا عمر ... الحديث". وأخرجه ابن ماجه والنسائي من هذا الوجه.
وقال الداودي: قولها: "نُهينا عن اتِّباع الجنائز" أي: إلى أن نصل إلى القبور، وقولها: "ولم يُعزم علينا" أي: أن لا نأتي أهل الميت، فنعزِّيَهم، ونترحم على ميتهم، من غير أن نتَّبع جنازته.
وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر، لكن في حديث عبد الله بن عمر، وعند أحمد والحاكم وغيرهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى فاطمة مُقبلة، فقال: "من أين جئتِ؟ " فقالت: رحمت على أهل هذا الميت ميتهم. فقال: "لعلك بلغت معهم الكُدى؟ " قالت: لا ... الحديث. والكُدى بالضم وتخفيف الدال هي المقابر، فقد أنكر عليها في هذا الحديث بلوغ المقابر، ولم ينكر عليها التعزية، فيُدل ذلك على جواز التعزية للنساء دون التشييع.
وقال المحب الطبري: يُحتمل أن يكون المراد بقولها: "ولم يُعزم علينا" أي: كما عُزِم على الرجال بترغيبهم في اتَّباعها بحصول القيراط، ونحو ذلك، والأول أظهر، وقد مرَّ الكلام مستوفى غاية على ما للرجال في اتِّباعها في باب اتِّباع الجنائز من كتاب الإيمان.
الأول: عبد الله بن عبد الوهّاب الحَجَبِيّ، وقد مرَّ في السادس والأربعين من كتاب العلم. ومرَّ حمّاد بن زيد في الخامس والعشرين من كتاب الإيمان. ومرَّ أيوب السَّخْتياني في التاسع من كتاب الإيمان أيضًا. ومرَّت حَفْصة بنت سيرين وأُم عطية في الثاني والثلاثين من كتاب الوضوء.
فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته بصريون.