عنه، وهو المناسب لرواية: "فانْخَنَسَ"، وفي رواية: "فذهبتُ واغتسلتُ"، وهو المناسب لرواية: "فانْخَنَسْتُ".
وسبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حِبّان عن حُذيفة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا لقِيَ أحْدًا من أصحابه ماسَحَه ودعا له، فلما ظن أبو هُريرة أن الجُنُبَ يَنْجُسُ بالجنابة، خشي أن يماسَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- كعادته، فبادر إلى الاغتسال.
وقوله: "قال: كنتُ جُنُبًا" أي: ذا جنابة؛ لأنه اسم جرى مجرى المصدر، وهو الإجْناب كما مرّ.
وقوله: "فكرهت أن أجالِسَكَ وأنا على غير طهارة" جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع في "أُجالِسَك".
وقوله: "فقال" بالفاء قبل القاف، وسقطت في كلام أبي هُريرة على الأفصح في الجُمَلْ المفتتحة بالقول، كما قيل في قوله تعالى: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)} [الشعراء: 10]، وأما القول مع ضمير النبي عليه الصلاة والسلام، فالفاء سببية رابطة، فاجتلبت لذلك، ولأبي ذر والأصيلي: "قال" بإسقاط الفاء.
وقوله: "سبحان الله" نُصِبَ بفعل لازم الحذف، وأتى به هنا للتعجب والاستعظام، أي: كيف يَخْفى عليك هذا الظاهر من عدم التنجس بالجنابة.
وقوله: "إن المسلم لا ينجُسْ" أي: في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يُغسل إذا مات، نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار.
وتمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر، كابن حزم، فقال: إن الكافر نجس العين، وقوّاه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].
وأجاب الجمهور عن الحديث: بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك، لعدم تحفظه عن النجاسة. وعن الآية: بأن المراد نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يُتَجَنب عنهم كما يُتَجَنَّب