للمتوضىء من غير إمرار، فبطُل الإجماع، وانتفت الملازمة.
قلت: ما قاله مصادرة، وهي جعل الدعوى جزءً من الدليل، فإن القائلين بالاكتفاء بغمس اليد في الماء مطلوب منهم الدليل، هل وجدوا ذلك في حديث من فعله عليه الصلاة والسلام أو أثر صحيح عن أصحابه رضي الله تعالى عنهم، وأما قول المخالف فلا يُبْطِل الإجماع، وقد مر الكلام على وجوب الدلك في الوضوء في باب الوضوء بالمد، فراجعه.
ثم إن المؤلف افتتح كتاب الغُسل بآيتي النساء والمائدة إشعارًا بأن وجوب الغسل على الجُنُب بنص القرآن، فقال:
وقولِ اللهِ تعالى وللأصيلي عزَّ وجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع؛ لأنه يجري مجرى المصدر الذي هو الإجناب، وأصله من البعد، وسُمي الإنسان جُنبًا لأنه نُهي أن يَقْرَب مواضع الصلاة ما لم يتطهر.
وقوله: {فَاطَّهَّرُوا} أي: اغسلوا أبدانكم على وجه المبالغة؛ لأن أصله اطتهر، قُلبت التاء طاء، وأدغم الطاء في الطاء، فهو من الافتعال، والافتعال يدل على التكلف والاعتمال.
وقدم المؤلف الآية التي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النساء لدقيقة، وهي أن لفظ التي في المائدة: {فَاطَّهَّرُوا} ففيها إجمال، ولفظ التي في النساء: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ففيها تصريح بالاغتسال، وبيان للتطهير المذكور.
ودل على أن المراد بقوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} فاغتسلوا، قوله تعالى في