وجزم الشيخ زكريا الأنصاري بأنه في زمنه محمول على الإِجازة قطعًا، وإلى ذلك أشار العراقِيُّ بقوله متصلًا بما مر:
وكَثُرَ اسْتِعْمالُ "عَنْ" في ذَا الزَّمَنْ ... إجازَةً وهوَ بِوَصْل ما قَمَنْ
وقد مر أن التحمل أعلى ألفاظه: سمعت إلخ.
وحاصل ما في ذلك هو أن أقسام التحمل ثمانية:
أولها: سماع لفظ الشيخ من كتابه أو حفظه، إملاء أو غير إملاء، لكنه في الإِملاء أعلى، لما فيه من شدة تحرز الشيخ والراوي، إذ الشيخ مستقل بالتحديث والراوي بالكتابة عنه، فهما أبعد عن الغفلة، وأقرب إلى التحقيق مع جَرَيان العادة بالمقابلة بعده. ويقول الراوي في حالة الأداء لما سمعه من الشيخ: حدثنا، أو سمعت، أو أخبرنا، أو أنبأنا، أو قال لنا، أو ذكر لنا فلان، فيجوز ذلك اتفاقًا، كما حكاه القاضي عِياض، وجواز جميعه اتفاقًا لا ينافي ما يأتي وما مر من أرفعية بعضه على بعض. قال ابن الصلاح: وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ فيما سُمِعَ من غير لفظ الشيخ أن لا يُطْلَقَ فيما سمع من لفظه لما فيه من الإِيهام والإِلباس، قال العراقي: ما قاله القاضي متجه، إذ لا يجب على السامع أن يبين، هل كان السماع من لفظ الشيخ أو عرضًا؟ نعم، ينبغي عدم الإِطلاق في أنبأنا بعد اشتهار استعمالها في الإِجازة, لأنه يؤدي إلى إسقاط المروي بها عند من لا يَحْتَجُّ بالإِجازة. وما قاله متجه لكن إن أدى إطلاق غير أنبأنا إلى ما أدى إليه إطلاقها من إسقاط المروي، كان الحكم كذلك. وبالجملة هذه الألفاظ متفاوتة، وإلى جواز الأداء بها وتفاوتها أشار العراقي بقوله:
أَعْلَى وُجُوهِ الأَخْذِ عِنْدَ المُعْظَمِ ... وهْيَ ثمانٍ لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ
كِتَابًا أَوْ حِفْظًا وَقُلْ حَدَّثَنا ... سَمِعْتُ أو أَخْبَرَنا أَنْبَأَنا