قد مرّ أول كتاب الإيمان أنه افتتح الكتاب أولًا بالمقدمة، وهو باب الوحي، ومرّت النكتة في ذلك، وأنه أتبعه بكتاب الإيمان وكتاب العلم لما مر، ثم شرع بذكر الكتب المتعلقة بالعبادات، وقدمها على غيرها من الكتب المتعلقة بنحو المعاملات والآداب والحدود وغير ذلك, لأن ذكر العبادات عقيب كتاب الإيمان والعلم أنسب, لأن أصل العبادات ومبناها الإيمان, ومعرفتها على ما يجب وينبغي بالعلم، ثم قدم كتاب الصلاة بأنواعها على غيرها من كتب العبادات لكونها تالية الإيمان في الكتاب والسنة، ولأن الاحتياج إلى معرفتها أشد لكثرة دورانها، ثم قدم كتاب الوضوء لكونه شرط الصلاة، وشرط الشيء يسبقه، ووقع في بعض النسخ كتاب الطهارة، وبعده باب ما جاء في الوضوء وهذه أنسب، لأن الطهارة أعم من الوضوء والكتاب الذي يذكر فيه نوع من الأنواع ينبغي أن يترجم بلفظ عام حتى يشمل جميع أقسام ذلك الكتاب، والكلام على لفظ الكتاب قد مرّ عند كتاب الإيمان.
والطَهارة -بفتح الطاء- مصدر طَهُر -بضم الهاء وفتحها- وهي لغة النظافة من الأوساخ الحسية والمعنوية، كالمعاصي الظاهرة والباطنة. وشرعًا، قال ابن عرفة: صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أو له. فالأوليان من خَبَث، والأخيرة من حدث. وقوله: "صفة حكمية" أي: تقديرية قدرها الشارع وحكم بها, وليس لها وجود حقيقي. وقوله: "توجب" أي: تستلزم للمتصف بها جواز الصلاة، به إن كان محمولًا للمصلي، وفيه إن كان مكانًا له، وله إن كان نفس المصلي.
ويقابل الطهارة بهذا المعنى أمران: النجاسة والحدَث. فالنجاسة صفة