وفي كتْبه، عليه الصلاة والسلام، بيده الشريفة خلاف مشتهر بين العلماء. فقد أخرج البخاري في باب عُمرة القضاء "فأخذ رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: "هذا ما قاضى محمد بن عبد الله " فتمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجِيّ، فادعى أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، كتب بيده، بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنَّع عليه علماء الأندلس في زمانه، ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة، وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] وبعد أن تحققت أمنيته، وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب في ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم، فتكون معجزة أخرى.
وذكر ابن دَحْية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذَر الهَرَويّ وأبو الفتح النَّيْسابُورِيّ، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها. واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شَيْبة، وعمر بن شَبَّة، من طريق مجاهد عن عبد الله بن عون قال: ما مات رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرته للشعبيّ فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن مَيْسرة عن سَهْل بن الحَنْظَليَّة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعُيَيَنْة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمِّس؟ فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، الصحيفة فنظر فيها، فقال: قد كتب لك بما أمر لك. قال يونس: فنرى أن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، كتب بعدما أُنزل إليه