هريرة بحديث، فأخذ بيدي إلى بيته، فأرانا كتبًا من حديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: هذا هو مكتوب عندي. قال ابن عبد البر: حديث همام أصح ويمكن الجمع بأنه لم يكن يكتب في العهد النبويّ، ثم كتب بعده. وأقوى من هذا أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبًا عنده أن يكون بخطه، وقد ثبت أنه لم يكن يكتب. فتعين أن المكتوب عنده لم يكن بخطه، والاستثناء في الحديث إن قيل إنه منقطع فلا إشكال إذ التقدير لكن الذي كان من عبد الله، وهو الكتابة، لم يكن مني سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا، لما تقتضيه العادة، أم لا، وإن قيل إنه متصل، فالسبب في كثرة حديث أبي هريرة عنه مع ذلك من جهات.

أحدها: أن عبد الله كان مشتغلًا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلت الرواية عنه.

ثانيها: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديًا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مئة نفس من التابعين. ولم يقع هذا لغيره.

ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له بأن لا ينسى، كما سيأتي قريبا.

رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام يحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنبّ الأخذ عنه لذلك كثيرٌ من التابعين.

خامسها: أن يقال تحمل أكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة لأنه قال الذي حديثه "فما نسيت شيئًا بعد" فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء، بخلاف عبد الله فإن الذي سمعه مضبوط بالكتابة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015