وكلها مأخوذة من الكناية. تقول: كنَّيت عن الأمر بكذا، إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحًا، وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى ربما غلبت على الأسماء، كأبي طالب وأبي لهبٍ وغيرهما. وقد يكون للواحد كنية واحدة فأكثر، وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعًا، فالاسم والكنية واللقب يجمعها العَلم، بفتحتين، وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم، والكنية ما صدرت بأب أو أُم وما عدا ذلك فهو اسم.
وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكنى أبا القاسم، بولده القاسم، وكان أكبر أولاده، واختلف هل مات قبل البعثة أو بعدها، واختلف في التسمي باسمه محمد، والتكني بكنيته أبي القاسم على خمسة مذاهب:
الأول: منع التكنية بأبي القاسم مطلقًا، سواء كان اسمه محمدًا أم لا، ثبت ذلك عن الشافعي. وبه قالت الظاهرية، وبالغ بعضهم فقال: لا يجوز لأحد أن يسمي ابنه القاسم، لئلا يكنى أبا القاسم. قال ابن أبي جمرة: والأخذ به أولى, لأنه أبرأ للذمة، وأعظم للحرمة.
والثاني: الجواز مطلقًا، ويختص النهي بحياته صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو الذي عليه إطباق الناس في جميع الأعصار، وكان مستندهم ما أخرجه البخاري عن أنس من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم، كان في السوق فسمع رجلًا يقول يا أبا القاسم فالتفت إليه. فقال: لم أعنك! فقال: "تسموا باسمي ولا تكنَّوا بكنيتي". فكأن القائلين بهذا القول فهموا من النهي الاختصاص بحياته، للسبب المذكور. وقد زال بعده، صلى الله تعالى عليه وسلم، واحتجوا أيضًا بما أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وأبو داود وابن ماجة، وصححه الحاكم، عن محمد بن الحنفية قال: قال علي: قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك واكنيه بكنيتك؟ قال: "نعم". وفي بعض طرقه "سماني محمدًا وكناني أبا