لأنه لم يجعل له منزلًا غيره، إلا أن الأدلة "القطعية" قامت على أن خلود التأييد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بين الكذب عليه والكذب على غيره، كما أخرجه البخاري في الجنائز عن المغيرة بن شعبة بلفظ "إنّ كذبًا علي ليس ككذب على أحد".

قلت: ما مر من كون الكذب على غيره صغيرة مخالف لما مر في باب من "أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم" من أن "قول الزور" من أكبر الكبائر كما في الحديث الصحيح، فتأمل. الجواب الثاني هو أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجُويْنيّ، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن تبعه، وقال: إنه هفوة من والده، وانتصر له ابن المنير بأن خصوصية الوعيد توجب ذلك، إذ لو كان بمطلق النار لكان كل كاذب كذلك عليه أو على غيره، وإنما الوعيد بالخلود. قال: ولهذا قال: "فليتبوأ" فليتخذها مباءة ومسكنًا. وذلك هو الخلود وبأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلًا لا ينفك عن استحلال الحرام، أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر.

وأجيب عن الأول بأن دلالة التبوأ على الخلود غير مسلّمة، ولو سلم فلا نُسلم أن الوعيد بالخلود مقتضٍ للكفر بدليل "متعمد القتل" المقول فيه ما قيل من الخلود. وأجيب عن الثاني بأنا لا نسلم أن الكذب عليه ملازم لاستحلاله ولا لاستحلال متعلقة، فقد يكذب عليه في تحريم حرام مثلًا مع قطعه بأن الكذب عليه حرام، وأن ذلك الحرام ليس بمستحل، كما تقدم عصاة المسلمين على ارتكاب الكبائر، مع اعتقادهم حرمتها.

قلت: يستدل لما قاله الجُوْينيّ، وانتصر له ابن المُنير بما قاله في "الفتح" فإنه دال على كفر من تعمد الكذب عليه، صلى الله تعالى عليه وسلم. ولفظه عند حديث واثِلَة بن الأَسْقَع في باب "مناقب قريش". والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015