بيده الدنيا كلها إلاَّ ما كان من الشام، وكان يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده، حتى يأخذ من أهل الإِبر الإِبر والمسالّ والخيوط والحبال، ثم يقسم بين الناس. وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه حتى يقسمه إلاَّ أن يغلبه شغل فيصبح إليه. وكان يقول: يا دنيا لا تغريني وغرّي غيري، وينشد:

هذا جَنائي وخيَارُه فيه ... وكل جانٍ يدهُ إلى فيه

وقد ثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال: لم يترك أبي إِلاّ ثمان مئة درهم أو سبع مئة درهم، فضلت عن عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله. قال ابن عبد البرّ: وأحسن ما رأيت في صفته أنه كان رَبْعَة من الرجال إلى القصر، هو أدعج العينين حسن الوجه، كأنه القمر ليلة البدر حسنًا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين، عتدًا أغيد كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلاَّ من خلفه، كبير اللحية، لمنكبيه مشاشٌ كمشاش السبع الضاري، لا يتبين عضده من ساعده، قد أدمجت إدماجًا، إذا مشى تكفأ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، وهو إلى السِّمن ما هو، شديد السَّاعد واليد، إذا مشى إلى الحرب هرول ثَبْت الجنان، قويٌ شجاع منصورٌ على من عاداه بويع له بالخلافة يوم قُتِل عثمان، رضي الله عنه، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف عن بيعته جماعة من الصحابة منهم طلحة والزبير وعائشة، فلم يهجهم ولم يكرههم، وكان تخلف هؤلاء في طلب دم عثمان فكان من وقعة الجمل ما اشتهر، ثم قام معاوية في أهل الشام، وكان أميرها لعثمان ولعمر قبله, فدعى إلى الطلب بدم عثمان، فكان من وقعة صفّين ما كان، وكان رأي علي أنهم يدخلون في الطاعة ثم يقوم ولي الدم فيدعى به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة، وكان من خالفه يقول له: تتبعهم وتقتلهم، فيرى أن القصاص بغير دعوى ولا إقامة بينة لا يتجه، وكل من الفريقين مجتهد. وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال، فكان علي يقول فيهم: أولئك قوم خذلوا الحق ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015