وفي الحديث شرف مكة، وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود، وإثبات خصائص الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، واستواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به، ووقوع النسخ، وفضل أبي شُريح لاتباعه أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، بالتبليغ عنه، وجواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضي ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد، وفيه الخروج عن عهدة التبليغ، والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدًا من ذلك، وتمسك من قال أن مكة فُتحت عُنوة وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام البحث في هذه المسألة في غزوة الفتح.
رجاله أربعة: وفيه ذكر عمرو بن سعيد، الأول عبد الله بن يوسف التَّنيْسيّ، وقد مر في الثاني من بدء الوحي، ومر الليث بن سعد في الثالث منه أيضًا، ومر سعيد بن أبي سعيد المقبريّ في الثاني والثلاثين من كتاب الإِيمان.
الرابع أبو شُرَيْح، بالتصغير، الكعْبِيّ الخُزَاعيّ، قيل: اسمه عمرو بن خالد, وقيل كعب بن عمرو، وقيل هانىء بن عمرو، والأصح عند أهل الحديث أن اسمه خُويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العُزّى بن معاوية بن المُحْترِش بن عمرو بن مازنْ بن عَدِيّ بن عمرو بن ربيعة، أسلم قبل فتح مكة، وكان يحمل حينئذ بعض ألوية ابن كعب بن خزاعة.
وكان أبو شريح من عقلاء المدينة، ومن كلامه أن أبلغت من أنكحته أو نكحت إليه السلطان، فاعلموا أني مجنون، من وَجَد لأبي شُريح سَمنًا أو لبنًا أو جِدايَة فهو لَهُ حِلٌ، فليأكله وليشربه، وإذا رأيتموني أمنع جاري أن يضع خشبة في حائطي فاعلموا أني مجنون فاكووني.