أي من قبل أنفسهم واصطلاحهم، كما حرموا أشياء في الجاهلية من عند أنفسهم، بل حرمه الله تعالى بوحيه، فتحريمها ابتدائيٌّ من غير سبب يعزى لأحد، فلا مدخل فيه لنبي ولا لغيره، ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس "أن إبراهيم حرم مكة" لأن المعنى أنه بلغ تحريم الله وأظهره، بعد أن رفع البيت وقت الطوفان، واندرست حرمتها. أو أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله لا باجتهاده، أو أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حرامًا. وقيل: معنى قوله "ولم يحرمها الناس" أن حرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقوله "فلا يحل لامرىء" بكسر الراء كالهمزة، إذ هي تابعة لها في جميع أحوالها، أي: لا يحل لرجل، وكذا لامرأة. وقوله "يؤمن بالله واليوم الآخر" أي: يوم القيامة، إشارة إلى المبدأ والمعاد، وفيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى الله عنه خوف الحساب. وقد تعلق به من قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه. وجوابهم بأنّ المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام، وينزجر عن المحرمات، فجعل الكلام معه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره. وقال ابن دقيق العيد: الذي أراه أنه من خطاب التهييج كقوله تعالى {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر، بل ينافيه. فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف. ولو قيل: لا يحل لأحد مطلقًا، لم يحصل منه هذا الغرض، وإن أفاد التحريم.

وقوله "أن يسفِك بها دما" بكسر الفاء، وقد تضم، لغتان وفي رواية الكَشْمَيهْني "فيها" بدل "بها" والباء بمعنى في، وأن مصدرية، أي: فلا يحل سفك دم فيها، والسفك صبُّ الدم، والمراد به القتل. وقوله "ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015