الحُمِيديّ، فحدثه هكذا، فحدث عنه كما سمع، أو حدث به تامًّا فسقط من حفظ البخاري، قال: وهو مستبعد جدًّا عند من اطلع على أحوال القوم، وقال الكِرماني أيضًا: إن إيراد الحديث تامًّا تارة، وغير تام تارة، إنما هو من اختلاف الرواة، فكل منهم قد روى ما سمعه، فلا خَرْم من أحد، ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي تناسب كلًّا منها، بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له.

قال في "الفتح": وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من أوله إلى آخره، فساقه في موضع تامًّا، وفي موضع مقتصرًا على بعضه، وهو كثير جدًّا في "الجامع الصحيح"، فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه، لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين على وجه واحد، بل إن كان له أكثر من سند على شرطه، ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني، وهكذا ما بعده، وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر، تارة بالجزم إن كان صحيحًا، وتارة بغيره إن كان فيه شيء، وما ليس له إلا سند واحد، يتصرف في متنه بالاقتصارعلى بعضه بحسب ما يتفق، ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندًا ومتنًا في موضعين أو أكثر إلا نادرًا، فقد عني بعض من لقيته بتتبع ذلك، فحصل منه نحو عشرين موضعًا.

والهجرة بكسر الهاء لغة: الترك والانتقال إلى الشيء عن غيره. وشرعًا مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، وطلب إقامة الدين. وفي الحقيقة هي مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه، وفي الحديث: "المهاجر من هَجَرَ ما نهى الله عنه"، وقد وقعت في الإِسلام على وجهين؛ الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتَيْ الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة، الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام، وذلك بعد أن استقر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهاجر إليه مَنْ أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة -إذا ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة- شرطًا في صحة الإِسلام، إلى أن فُتِحَت مكة، فانقطع الاختصاص،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015