يدُلُّ على المقصود، وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحي، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية، فكأنه يقول: قصدت جمع وحي السنة المتلقى من خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي؛ وإنما لكل امرئ ما نوى، فأكتفي بالتلويح عن التصريح، وأجيب عن عدم الإِتيان بالحمد والشهادة بأن الحديثين ليسا على شرطه، وإن سلمنا صلاحيتهما للحجة، فليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معًا، فلعله حمد وتشهد نطقًا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارًا على البسملة، لأنّ القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله، وقد حصل بها؛ ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة، والاقتصار عليها، لا سيما وحكاية ذلك من جملة ما تضمنه هذا الباب الأول، بل هو المقصود بالذات من أحاديثه.

وصنيع البخاري هو صنيع شيوخه، وشيوخ شيوخه، وأهل عصره، كمالك في "الموطأ"، وعبد الرزاق في "المصنف"، وأحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن"، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه، ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة، فيحمل ذلك من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظًا، ويؤيده ما رواه الخطيب في "الجامع" عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كتب الحديث ولا يكتبها، والحامل له على ذلك إسراع أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصًا بالخطب دون الكتب، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة، حمد وتشهد كما صنع مسلم، ويؤيده أيضًا وقوع كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها، كما يأتي في حديث أبي سُفيان في قصة هِرَقْل في هذا الباب، وكما يأتي في حديث البَراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحُدَيْبِيَة، وغير ذلك من الأحاديث، فهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة، إنمَا يُحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015