رُوِي عن أبي أُمية الجُمَحِيّ: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: من "أشراط الساعة أن يُلْتمس العلم عند الأصاغر". وحاصل ما في هذا الحديث التنبيهُ على أدب العالِم والمتعلّم. أما العالم فَلِما تضمنه من ترك زجر السائل، بِل أدَّبه بالِإعراض عنه أولًا، حتى استوفى ما كان فيه، ثمّ رجع إلى جوابه، فرفق به لأنه من الأعراب، وهم جُفاة. وفيه العناية بجواب سؤال السائل، ولو لم يكن السؤال متعينا، ولا الجواب. وأما المتعلم، فلِما تضمنه من أدب السائل، أنْ لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره، لأن حق الأول مقدم. ويؤخذ منه أخذ الدروس على السَّبْق، وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها. وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به، حتى يتضح لقوله: "كيف إضاعتها" وبوّب عليه ابن حِبان.
وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب. ومِنْ ثَمّ قيل: حُسن السؤال نصف العلم. وقد أَخَذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة، فقالوا: لا نقطع الخطبة لسؤال سائل، بل إذا فرغ يجيبه. وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها، فيؤخر الجواب، أو في غير الواجبات، فيجيب. والأولى حينئذ التفصيل، فإن كان مما يهتم به في أمر الدين، ولاسيما إن اختص بالسائل، فتُستحب إجابته، ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة. وإن كان بخلاف ذلك. فيؤخَّر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضي تقديم الجواب، لكنْ إذا أجاب استأنف على الأصح، فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة، فيؤخر كما في هذا الحديث، ولاسيما ان كان ترك السؤال عن ذلك أوْلى. وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمتْ الصلاة، فلما فرغ من الصلاة، قال: "أين السائل"، فأجابه. أخرجاه.
وإن كان السائل به ضرورة ناجزة، فتُقَدّمُ إجابته، كما في حديث أبي رفاعة عند مُسْلم أنه قال للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم رجلٌ غريبٌ لا يدري دينه، جاء يسأل عن دينه، فترك خطبته، وأتى بكرسيٍّ فقعد عليه،