حتى أعلن البابا "جريجوري" السابع: أن الكنيسة بوصفها نظاماً إلهياً، خليقة بأن تكون صاحبة السلطة العالمية، ومن حق البابا وواجبه بصفته خليفة الله في أرضه، أن يخلع الملوك غير الصالحين، وأن يؤيد أو يرفض اختيار البشر للحكام، أو تنصيبهم حسب مقتضيات الأحوال.
وبناء على ذلك خلع هذا البابا الإمبراطور الألماني "هنري" الرابع وحرمه، وأحل أتباعه والأمراء من ولائهم له، وألبهم عليه، فعقد الأمراء اجتماعاً قرروا فيه أنه إذا لم يحصل الإمبراطور على مغفرة البابا فإنه سيفقد عرشه إلى الأبد.
فاضطر هذا الإمبراطور حفاظاً على عرشه أن يسعى لاسترضاء البابا سنة (1077م) ، فاجتاز جبال الألب في شتاء بارد مسافراً إلى البابا الذي كان في قلعته بمرتفعات "كانوسا" في "تسكانيا". وظل واقفاً في الثلج في فناء القلعة ثلاثة أيام، وهو في لباس الرهبان متدثراً بالخيش، حافي القدمين، عاري الرأس، يحمل عكازه، مظهراً ندمه وتوبته، حتى ظفر بعفو البابا، وحصل على رضاه.
* * *
التهالك على جمع الأموال:
تدعوا التعاليم المسيحية التي ابتدعها الرهبان إلى الزهد والتقشف، والبعد عن جمع الأموال، وإلى تعذيب الجسم والرضا بأقل العيش.
وعمل بهذا قليل من رهبانهم، وتظاهر به كثيرون مراءون، كانوا يجمعون الأموال باسم الفقراء والمساكين، ثمّ يكنزونها، ولا ينفقونها فيمن جمعوها لهم.
ثمّ لما صار لرجال الكنيسة سلطان قوي على الشعب المسيحي من القاعدة إلى القمة، اجتماعي وسياسي، أخذوا يجمعون الأموال الطائلة باسم خدمة المسيحية والتبشير بها، وباسم المشروعات التي يريدون إنشاءها، من كنائس وأديرة وغير ذلك.