كواشف زيوف (صفحة 46)

ووصفها وصفاً حسناً إذ قال:

" من أعظم أخطاء رجال الدين في أوروبا، ومن أكبر جنايتهم على أنفسهم، وعلى الدين الذي كانوا يمثلونه، أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة، معلومات بشرية، ومسلمات عصرية، عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية، ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال ذلك العصر. ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني، وإذا كان ذلك في عصر من العصور غاية ما وصل إليه علم البشر، فإنه لا يؤمن عليه التحول والتعارض، فإن العلم الإنسان متدرج مترقٍ، فمن بنى عليه دينه فقد بنى قصراً على كثيب مهيل من الرمل.

ولعلهم فعلوا ذلك بنية حسنة، ولكنه كان أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين، فإن ذلك كان سبباً للكفاح المشؤوم بين الدين والعلم، الذي انهزم فيه ذلك الدين - المختلط بعلم البشر الذي فيه الحق والباطل، والخالص والزائف - هزيمة منكرة، وسقط رجال الدين سقوطاً لم ينهضوا بعده، وشر من ذلك وأشأم أن أوروبا أصبحت لا دينية.

ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة، بل قدسوا كل ما تناقلته الألسن واشتهر بين الناس، وذكره بعض شراح التوراة والإنجيل ومفسريهما من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية، وصبغوها صبغة دينية، وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها، ونبذ كل ما يعارضها، وألفوا في ذلك كتباً وتآليف، وسموا هذه الجغرافية التي ما أنزل الله بها من سلطان الجغرافية المسيحية (Christian Topography) وعضوا عليها بالنواجذ، وكفروا كل من لم يَدِن بها ".

اضطهاد الكنيسة للعلم:

وكان ذلك في عصر انفجر فيه بركان العقلية في أوروبا، وحطم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015