ولو لم يصدق في الناس ولم يعترف بالحق ولم يشكر ولم يعط المعروف أحدٌ منهم، لما نقضت قيم هذه الفضائل مثقال ذرة.
ولو أن سلوك أكثر الناس كان هو التضمخ بالنجاسات، والعيش في زرائب الحيوانات، ومخالطة الخنازير والأكل معها، لما كان هذا هو السلوك الأحسن، والأكثر ذوقاً وجمالاً وكمالاً.
ولو أن واحداً من الناس فقط كان هو المتطهر رفيع الذوق في السكن والعمل والمعاشرة، لما نقضت قيمة الطهارة وجمال السكن والعمل والمعاشرة مثقال ذرة.
فالسلوك الإرادي للناس ليس هو الذي يُحَدِّد القيم الخلقية، إن القيم الخلقية قيمٌ سابقة ثابتة، والسلوك الإنساني هو الذي يُقَوَّم بها.
لو أن الإحصائيات كشفت أن أكثر الأغنياء إنما يجنون ثرواتها بطرق الكذب والغش والسرقة والسلب والنهب، فليس معنى ذلك أن أفضل وسيلة خلقية للحصول على الثروات الطائلة، ممارسةُ الكذب والغش والسرقة والسلب والنهب وأكل أموال الناس بالباطل.
إن المنهج العلمي الذي يستخدم لمعرفة القوانين الثابتة، والسنن الربانية الجبرية، لا يجوز بحال من الأحوال تطبيقه على السلوك الإرادي للناس. إن تطبيقه على هذا السلوك لعبة شيطانية خبيثة، تلبس رداء المنهجية العلمية، وترتدي قناع البحث العلمي المعترف به في العلوم زوراً وتزييفاً للحقائق. إنها تستخدم هذا المنهج العلمي في غير المحل الذي يصح أن يُسْتَخدم فيه، فشرط استخدامه خضوع الكائن لسلطان القوانين والسنن الربانية الجبرية الثابتة، التي لا تبديل لها ولا تحويل لها.
ولا بد أن نلاحظ أن القوانين والسنن الربانية الجبري الثابتة قائمة على الحق والعدل، وطرقها هي أكمل الطرق وأحسنها، لتحقيق أفضل النتائج التي ترجى منها، لأنها تقدير العزيز العليم الخالق جل وعلا.
قال الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :