أهل (البصرة) يريدون الحَجّ. فلما

كانوا ببعض الطريق، إذا غلام واقف على المحجَّة وهو ينادي: أيها الناس! هل فيكم أحد من أهل

(البصرة)؟ قال: فملنا إليه، وقلنا له: مَاتُريد؟ قال: إن مولاي يريد أن يوصي إليكم. فسرنا معه؛ فإذا

شخص ملقى على بعدٍ من الطريق، تحت شجرة لا يحير جوابا، فسلمنا عليه وجلسنا حوله، فلما أحس

بنا رفع طرفه، وهو لايكاد يرفعه ضعفاً. ثم أنشأ يقول:

يَا بَعيدَ الدار من وطنه ... مُفرداً يَبْكي عَلَى شَجَنِهْ

كُلَّمَا جَدَّ البُكَاءُ بِهِ ... زَادَتِ الأسقامُ في بَدَنِهْ

ثم أُغْمِي عليه طويلا، ونحن جَلُوسٌ عنده، فأقبل طائر فوقع على بعض أغصان الشجرة، وجعل

يغرد، ففتح عينيه ثانية، وجعل يستمع تغريد الطائر، وأنشأ يقول:

وَلَقَدْ زاد الفُؤَادَ شَجَىً ... طَائرٌ يَشْدُو عَلَى فَنَنِهْ

شَفَّهُ مَا شَفَّني فَبَكَى ... كُلُّنَا يبكي عَلَى سَكَنِهْ

ثم تنفس، وفاظت نفسه، فلم نبرح من عنده حتى كفناه، وتولينا الصلاة عليه. فلما فرغنا من دفنه،

سألنا الغلام عنه، فقال هذا العباس بن الأحنف.

قال أبو اسحاق: ومن مليح شعر العباس قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015