بإحضاري، فوافاني رسوله بدابة، فركبت

وسرت إليه. فلما وصلت وجدت أحمد بن عباس غائبا عن المجلس، وألفيت كل من كان فيه مراقبا

لقدومه. فتحرك أهل المجلس لدخولي، ورحب بي الكل منهم عندَ حلُولي فَلمْ أَسْتَوِ قاعدا إلاَّ وابن

عباس قد أقبل يَجُرُّ ذَيْلَ الخيلاء؛ ويسبل رداء الكبرياء، وهو يَتَرَنم؛ والإِعْجَابُ يخامره؛ والزَّهْوُ

يسايره. فسَلَّمْتُ عليه تسليم من يعرف حقَّ الرجال، وجمعت في كلامي بين الإيجازِ والإِكماَل. فرمز

رمزا خفيفا، وردَّ علي السلام ردّاً ضعيفا. فعلمت أن في أنفه نَعْرةً؛ لا تخرج إلاَّ بِسَعُوطِ الكَلاَمِ، ولا

تُرَامُ إلا بمثقب النظام فرأيت الأصحاب يصغون إلى تَهَمْهُمِهِ؛ ويصيخون إلى تَرَنُّمِه. فسألتهم عن

ذلك. فقال لي أبو عبد الله الحَنَّاطي وَكَانَ كثيرَ التَّعَصُّب علي؛ جالبا في المحافل ما يسوء الأولياء

إليّ: الوزيرحَضَرَهُ قَسيمٌ من شعره؛ وهو يسألنا إجازته فعلمت أنّي بذلك المراد؛ وعليَّ في الإجازة

الاعتماد فاستشهدته فقال مرضُ الجُفُونِ وَلَثْغَةٌ في المنطِقِ. فأخذت القلم مستعجلا؛ وكتبت مرتجلا

على القَسيمِ مذيلا ولما أمرت به ممتثلا:

مَرَضُ الجُفُونِ ولثغَةٌ في المَنْطِقِ ... سَبَبَانِ جَرَّا عِشْقَ مَنْ لَمْ يَعْشقِ

مَنْ لي بألثَغَ لا يَزال حَديثهُ ... يُذْكي على الأكبادِ جَمْرَةَ مُحْرقِ

يُنْبِي فَيَنْبُو في الكلام لِسانهُ ... فكأَنَّهُ من خَمْرِ عَيْنَيْهِ سُقِي

لا تُنْعِشُ الألفَاظُ منْ عَثَرَاثِها ... ولَو آنَها كُتِبَتْ لَهُ في مُهرَقِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015