قال إسحق: فلمّا سمعت الجارية ذلك من المأمون ابتهجت سرورا به وقالت لى: والله، يا با عبد الله، ما ذكرت عن صاحبك هذا قيراطا (?) ممّا احتوى عليه من المجموع الحسن. -قال: فلمّا رأى المأمون إعجابها به قال: إنّ صاحبى ذكر لى من إحسانك فيما تحكينه عن إسحق بن إبراهيم من ضربه وتلحينه. وقد أحببت سماعه، فليس العيان كالخبر. -فقالت:
حبّا وكرامة. -ثمّ أمرت بالعود، فأحضر وضمّته إليها وضربت ضربا جيّدا من اقتراحاتى وقالت: هذا من مقترح إسحق، حيّا الله إسحق! - ثمّ غنّت <من الطويل>:
تشرّب قلبى حبّها ومشى به … تمشّى حميّا الكأس فى كفّ شارب
ودبّ هواها فى عظامى فشفّها … كما دبّ فى الملسوع سمّ العقارب (10)
قال: فأتت والله بالسحر المبين ونظرت إلى المأمون وقد احمرّت عيناه. قال: فغمزته. ثمّ وكزته فرجع. ثمّ إنّها غيّرت تلك الطريقة وضربت، وقالت: وهذا من تلحين إسحق، حيّا الله إسحق! -وغنّت <من الكامل>:
لمّا رأيت الليل سدّ طريقه … عنّى وعذّبنى الظلام الراكد
والنجم فى كبد السماء كأنّه … أعمى تحيّر ما لديه قايد
ناديت من طرد الرقاد بصدّه … أنت البلاء طريفه والتالد
ألقيت بين جفون عينى فرقة … فإلى متى أنا ساهر يا راقد
وسعى بها واش فقالوا إنّها … لهى التى تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم … إنّى ليعجبنى المحبّ الجاحد