أماكنها. وكان يوسف يعوض لأبيه بباب القصر إذا عرض له عارض. وكان للملك العادل نور الدين ولده إسماعيل. قال أبو المظفر: كان لنور الدين محمود، هذا الولد إسماعيل، ولد له بتكريت، وتوفى بدمشق فى حياة والده. وولده الذى ملك بعده، ولد بدمشق، وسماه باسم أخيه إسماعيل، ولقبه الملك الصالح. وكان فيه لعب واستهتار بالفقراء، وينكر على أبيه خفية، إذا خلا بين ندمائه وأصحابه. وكان يوسف بن أيوب من أكبر الخصيصين بمنادمة إسماعيل الملك الصالح، فكان يقول له:
«يا خوند اشتهى منك لا تتعرض لهذا القول، فالسلطان أخبر بأموره منا». قال:
وجاءت ليلة النصف من شعبان، وكان الملك العادل [نور الدين محمود] يحتفل بمواسم المسلمين، ويفعل فى كل موسم ما ينبغى فيه. فخرج إلى باب القصر بعد عشاء الآخرة، فطلب أيوب فلم يجده، وكان قد حصل له وجع فى بطنه أعاقه تلك الليلة، ووجد يوسف مكانه، فقال: «يا يوسف خذ إسماعيل-يعنى ولده-واطلع أنت وهو، ولا يكن معكما ثالث، إلى مغارة الجوع وباتا على بابها، وأحييا قيام هذه الليلة العظيمة القدر. فإذا كان وقت الفجر الأول اصنتا، ومهما سمعتاه احفظاه وعرفانى به».
فطلعنا وقد أخذنى لكلام السلطان هيبة عظيمة أرعدتنى. يقول يوسف: فلما صرنا على باب المغارة المعروفة بمغارة الجوع بجبل الصالحية، قال لى الملك الصالح «يا يوسف! افعل ما أمرك به السلطان من إحياء الليلة، وأما أنا فإنى بانام» ثم إنه انضجع على ما فرش له ونام. قال يوسف: فقمت فأحييت تلك الليلة، وقد داخلنى لكلام السلطان وجل عظيم. فلما كان أول الفجر عند شعشعة العمود، سمعت حس هفيف كأجنحة طائر كبير، وأسمع من تلقائه قائلا يقول: «الناصر للصليب كاسر، وللفرنج خاسر، وللقدس طاهر. الظاهر للشام طاهر، وللكفر قاهر، قاتل كل كافر عاهر. الناصر بالشرق ظافر، يطؤها بالخف والحافر، بعد ثلاث تواتر».
قال الملك الكامل-رحمه الله-فكان من السلطان صلاح الدين رحمه الله