أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان.
الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فحديثنا في هذه المحاضرة الثامنة من محاضرات: كن صحابياً، عن موضوع في غاية الأهمية في حياة كل مسلم.
وقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن الصحابة والدنيا، وحديثنا في هذه المحاضرة سيكون عن الصحابة والآخرة، عن الصحابة والجنة.
في الحقيقة هذه نقطة محورية فعلاً في بناء الفرد المسلم والمجتمع المسلم، والأمة الإسلامية بكاملها.
فيا ترى كيف فهم الصحابة حقيقة الجنة؟ وكيف كان تعاملهم مع حقيقة الجنة؟ عندما تدرس حياة الصحابة ستجد أن تفاعل الصحابة مع قضية الجنة مختلف جداً عن تفاعل معظم اللاحقين بعد ذلك، وأنا أعتقد أن هذا الاختلاف كان سبباً رئيساً من الأسباب التي أدت إلى أن جيل الصحابة وصل إلى هذه الدرجة السامية الرفيعة من الأخلاق، ومن الاعتقاد في الله عز وجل، ومن العمل في سبيل الله عز وجل، لذا كانت الجنة نقطة محورية في حياة كل الصحابة، لكن قد تجد أناساً كثيرين الآن من الذين لديهم علم كبير جداً من العلماء الأفاضل، ومن كبار الدعاة عندما يأتي ويتكلم عن الجنة تحس أنه يتكلم على شيء نظري، ولا تشعر في كلماته بالأحاسيس التي كان يشعر بها فالصحابي، فالصحابي حتى وإن كان بسيطاً في علمه، أو قليلاً في معلوماته، لكن عندما يعرف معلومة واحدة عن الجنة فإنها تبقى معه إلى أن يموت، حتى لو كان أعرابياً بسيطاً، وحتى لو كانت لغته ضعيفة مقارنة بكبار الصحابة، لكن كانوا يتأثرون بالجنة تأثراً قوياً جداً، وأنا أشعر أن هذا فارق جوهري؛ لذلك أتمنى أن يركز كل سامع لهذه المحاضرة مع هذه المعاني، وأن يعيش فيها معايشة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وأنا أعتقد أنه عندما تصبح الآخرة في أعيننا كما هي في أعين الصحابة ستتغير -ولا شك- مناهجنا في الحياة، وسنفكر بطريقة أخرى، وسنرتب أولوياتنا بطريقة أخرى، وسنسعد بطريقة مختلفة، وعلى أشياء ليست كالأشياء التي نسعد لها الآن، وسنحزن أيضاً بطريقة مختلفة، وعلى أشياء ليست كالتي نحزن عليها الآن.
فيا تُرى من منا يحزن الحزن الذي يقعده في الفراش عندما تفوته تكبيرة الإحرام مثلاً كما كان يحدث مع بعض الصحابة؟ ويا تُرى كم فينا من يحزن على فوات قيام الليل؟ أو على فوات صلاة الفجر الذي هو أصلاً فرض من الفروض؟ وكم واحداً لو فاتته صلاة الفجر واستيقظ وقد طلعت الشمس يبقى حزيناً طوال اليوم؛ لأنه فاتته صلاة مفروضة كان عليه أن يصليها في وقتها؟! ويا تُرى كم فينا من يحزن على أن أحد أصحابه بعيد عن الله تعالى، وأن ربنا لم يهده بعد، وهو يحبه حباً شديداً ويراه على ضلالته، ويراه بعيداً عن الطريق، فهل سيحزن عليه حزناً حقيقياً أم أن الأمر لا يهمه؟ مثلما أن الناس يسيرون في الشارع يعبدون الله أو لا يعبدونه لا فرق عندنا! ويا تُرى من منا يحزن أن فاتته معركة في سبيل الله، أو جهاد في سبيل الله؟ الناس الذين يأتيهم إعفاء من الجيش هذه الأيام يفرحون بينما الصحابة الذين يفوتهم الجهاد في سبيل الله يحزنون على ذلك.
وكم واحد منا حزين على فلسطين وعلى العراق وعلى كشمير وعلى الشيشان وعلى الصومال وعلى السودان وعلى غيرها من البلدان؟ إننا لو فهمنا ما معنى الجنة وما معنى النار مثلما فهم ذلك الصحابة؛ فإن كل شيء في حياتنا سيتغير تغييراً شاملاً، بل وكاملاً لمنظومة الحياة بكاملها.
وتعالوا لنرى كيف كان تفكير الصحابة في الجنة؟ وكيف كانوا من أهل الجنة وهم ما زالوا على وجه الأرض؟