لذلك لم يترك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أمر الدعوة إلى الله تعالى حتى في أحلك الظروف، كالحروب مع أعدائهم، فهم يحاربون وأمامهم العدو، والعدو حريص على قتلهم، والصحابي حريص على أن يدخله في دين الله سبحانه وتعالى، وهذا النهج الأخلاقي الرفيع تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي يوم خيبر يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم)، وهذا في ميدان المعركة مع اليهود، وبعد إجلاء بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة من المدينة، وبعد خيانات كثيرة جداً منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يدعوهم إلى الإسلام ثم يقول له صلى الله عليه وسلم: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وحمر النعم هي: إبل عظيمة جداً كانت تتفاخر بها العرب، فهم كانوا يعظمون جداً من هداية إنسان واحد، يعني: لو ذهبت إلى حصن خيبر وفيه آلاف اليهود فآمن منهم واحد فقط خير عظيم جداً، وفي رواية: (خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت) يعني: شيء في منتهى العظمة، بل أعظم من الدنيا بأسرها أن يهدي الله بك رجلاً واحداً، فما بالك لو عشرة أو عشرين أو مائة أو ألف أو آلاف الملايين، فلذلك كان الصحابة لا يفوتون فرصة من غير دعوة إلى الله عز وجل.