ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (الساعي على الأرملة والمسكين)، وهذا أمر قد يتساهل فيه بعض الناس، فقد يعطيهم نقوداً قليلة في السنة مرة واحدة ويكفي، لا، ثم بين الجزاء فقال: (كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل).
فتأمل تعظيم الناس لأمر الجهاد في سبيل الله -وهو أمر عظيم حقاً- وتعظيمهم للصيام والقيام، لكن ما مقدار ما يُعظِّم الناس السعي على الأرملة والسعي على المسكين! والسعي على الأرملة أو المسكين ليس فقط بأن تعطيهم بعض النقود كل سنة مرة، لا، فالساعي متكفل بالمسكين من أول ما يولد إلى أن يدخله الجامعة، وكذلك ينفق على الأرملة إلى أن يكبر عيالها، وهذا هو المجتمع المسلم الذي بني على أسس راسخة متينة.
وهذا لم يكن كلاماً فقط، بل كان أفعالاً متكررة في حياة الصحابة، وانظروا إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاءه نعي جعفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) لأن أهل جعفر عندهم مصيبة الموت، فقد مات جعفر رضي الله عنه (فإنه قد جاءهم ما يشغلهم)، فانظر إلى الرفق والفقه والرحمة، وهذا على عكس ما هو منتشر في كثير من البلاد، حيث أن أهل الميت يصنعون طعاماً للناس التي تأتي إليهم، فتجتمع عليهم مصائب عدة: مصيبة الموت، ومصيبة الإنفاق ومصيبة التجهيز والتحضير واستقبال الناس، وهذا كله مخالف للسنة، فالأخوة مسئولية وبذل وعطاء، وليس المقصود أنك تذهب فتكسب من أخيك أو تستفيد من أخيك وانتهى الأمر.