وأخرج الطبراني والبيهقي والحاكم وقال: صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لضرورة شديدة، فما بالك إذا كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس إلى جنبه، وكان يظهر على الرجل الكآبة والحزن، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: يا فلان أراك مكتئباً حزيناً، وفي هذا ينبغي للمسلم أن يطمئن على أحوال إخوانه وإن لم يتكلموا، قال: نعم، يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان علي حق وحان أجله وليس معي ما يقضيه، أي: إن هناك ديناً علي، وليس معي ما يقضيه، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إن أحببت أن أكلمه لك، فـ ابن عباس هنا يعمل شيئاً إيجابياً لينفع صاحبه، فهو لا يستطيع أن يساعده بالإنفاق، لكن يمكن أن يكلم الرجل الذي عنده دين فيصبر عليه قليلاً، فقال الرجل: نعم، لأنه مضطر لذلك، فخرج ابن عباس رضي الله عنهما من اعتكافه ليقضي حاجة الرجل، فقال الرجل: أنسيت ما كنت فيه، أي: أنت في اعتكاف فكيف تخرج؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت صاحب هذا القبر -هذا الكلام كان بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم- يقول: (من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين) يعني: ظل مجتهداً في حاجته حتى قضاها، لأن الاعتكاف يعود نفعه على الفرد، وخدمة الآخرين تعود على المجتمع بأسره.