أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فمع الدرس الثاني من مجموعة المحاضرات التي أطلقنا عليها اسم: كن صحابياً، وقد تكلمنا في الدرس السابق عن جيل الصحابة، هذا الجيل العظيم الجليل الفريد، الذي كان وساماً حقيقياً على صدر البشرية، أولئك الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة خاتم أنبيائه وأفضل رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا له نعم المعين على أمور الدعوة، ونعم الجنود في كل الميادين، فحملوا الرسالة من بعده كما ينبغي أن تحمل تماماً، وما فرطوا وما بدلوا وما غيروا، بل أناروا الأرض بنور الإسلام، وروت دماؤهم أطراف المعمورة لتعبيد الناس لرب العالمين، لا يريدون منهم جزاء ولا شكوراً، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
واليوم سنطرح سؤالاً قد يستغرب منه أناس كثيرون ألا وهو: هل أنت صحابي؟ في مصطلح أهل الحديث هذا مستحيل، لأن الصحابي أو الصحابية هو: رجل أو امرأة عاش في حقبة معينة من الزمان توافرت فيه أو فيها شروط معينة، وهذه الحقبة من الزمان مرت ولا يمكن أن تعود، فهذه الشروط من المستحيل أن تتوافر فينا.
وشروط الصحابي في مصطلح أهل الحديث هي: الشرط الأول: أن يكون قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو اجتمع به، يعني: أنه لابد أن يكون قد رآه بعينه، ولا يكفي أن يكون معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون في بلد والرسول صلى الله عليه وسلم في بلد آخر، ولذلك النجاشي رحمه الله تعالى ليس صحابياً، مع أنه كان معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد آمن به في حياته لكن لم يره.
أما قولهم: (أو اجتمع به) يعني: حتى يدخل في ذلك من اجتمع برسول الله ولم يره لفقد نعمة البصر، كـ عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، فقد اجتمع بالرسول لكنه لم يره؛ لأنه كان ضريراً رضي الله عنه وأرضاه.
الشرط الثاني: أن يكون قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ولا يكفي أن يكون معاصراً له وقد ظل كافراً سنوات طويلة إلى أن مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الرجل، حينها لا يكون من الصحابة، وممكن أن يكون من التابعين الذين تعلموا على أيدي الصحابة.
الشرط الثالث: أن يكون قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ورآه، ثم مات على هذا الإيمان، ولم يرتد وبقي على ردته.
فهذه الشروط الثلاثة لو تحققت في أي واحد سيصبح صحابياً، والصحابة كثيرون جداً، فقد بلغ عددهم أكثر من مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، ونحن لسنا منهم؛ لأننا لم نعاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نره، ولم تمر بنا هذه التجربة كما ذكرناها في هذه الكلمات.