انظر إلى هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)، الرسول يقسم أن البشر لن يدخلوا الجنة حتى يؤمنوا، وهذا أمر مفهوم، لكن التي ستأتي بعدها قد يستغربها كثير من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (ولن تؤمنوا حتى تحابوا)، إذاً هذا شرط من شروط الإيمان، وعليه فإن العبد يخاطر بقضية الإيمان، ويخاطر بدخول الجنة إذا قطع علاقته مع كل الناس، ثم يعطيك النبي صلى الله عليه وسلم أحد الطرق لزيادة المحبة أو لتأصيل المحبة بين المسلمين فقال: (أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم).
وانظر أيضاً إلى الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)، تخيل في هذا اليوم الصعب العسير، والشمس تدنو من الرءوس قرابة ميل -والميل: ميل المسافة أو الميل الذي تكتحل به العين- ومع ذلك هناك طائفة من الناس لا تشعر أبداً بهذا الحر، ألا وهم المتحابون بجلال الله عز وجل، الذين كان يحب بعضهم بعضاً دون نسب ودون مصالح ودون منافع.
وتأمل هذا الحديث الخطير الذي رواه الترمذي وقال: صحيح.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، يا ترى كم واحداً منا يحب أن صديقه أو جاره يكون عنده من الأموال مثل الذي عنده، أو يحب أن ابن جاره أو ابن صاحبه يأخذ وظيفة جيدة مثل التي عند ابنه، أو أن أولاد جاره يكونون متفوقين تماماً مثل ابنه بل وأحسن؟ يا ترى هل هناك أحد منا يعمل بهذه العواطف أو المشاعر، أم يريد دائماً أن يكون أحسن وأعظم وأذكى من كل الذين حوله؟ إذاً فالقضية خطيرة جداً، ولذلك كان ثوابه أكبر وأعظم من الذي يمكن أن نتخيله.
وتأمل أيضاً في هذا الحديث الذي يُعظِّم من ثواب أولئك الذين أحبوا بعضهم البعض إلى درجةٍ وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى) فتعجب عندما ترى الأنبياء والشهداء يغبطون هؤلاء الذين أعطوا درجة عالية جداً يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، وقربوا منه سبحانه وتعالى، لكن يا ترى ماذا عمل هؤلاء؟ وما هو العمل العظيم الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة؟ لذا فإن الصحابة تشوقوا لمعرفة هؤلاء الناس: (قالوا: يا رسول الله! تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها).
فلا يوجد بينهم نسب ولا مصالح، (فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]).
فهؤلاء هم أولياء الله عز وجل، وليس الولي الذي يمشي فوق الماء أو يطير في الهواء، إنما الأولياء هم الذين يتحابون بروح الله على غير أنساب بينهم، ولا أرحام ولا أموال يتعاطونها.
إذاً فهذه هي القيمة العالية للأخوة في الله.