كليله ودمنه (صفحة 82)

ذلك ثم لا يحتال لنفسه في النجاة؛ فعجبت من ذلك كل العجب. ثم نظرت فإذا الإنسان لا يمنعه عن الاحتيال لنفسه إلا لذةٌ صغيرةٌ حقيرةٌ غير كبيرةٍ من الشم والذوق والنظر والسمع واللمس: فعله يصيب منها الطفيف أو يقتني منها اليسير؛ فإذا ذلك يشغله ويذهب به عن الاهتمام لنفسه وطلب النجاة لها.

فالتمست للإنسان مثلاً، فإذا مثله مثل رجلٍ نجا من خوف فيلٍ هائجٍ إلى بئرٍ، فتدلى فيها، وتعلق بغصنين كانا على سمائها، فوقعت رجلاه على شيءٍ في طي البئر. فإذا حياتٌ أربع قد أخرجن رءوسهن من أحجارهن، ثم نظر فإذا في قاع البئر تنين فاتح فاه منتظر له ليقع فيأخذه؛ فرفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصلهما جرذان أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه كوارةً فيها عسل نحلٍ؛ فذاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015