كليله ودمنه (صفحة 80)

يخف من هذه الأمور شيئاً، وكان قد أمن ووثق بالسلامة منها فلم يفكر فيها، لوجب عليه أن يعتبر بالساعة التي يحضره فيها الموت، فيفارق الدنيا؛ ويتذكر ما هو نازل به في تلك الساعة: من فراق الأحبة والأهل والأقارب وكل منونٍ به من الدنيا، والإشراف على الهول العظيم بعد الموت. فلو لم يفعل ذلك، لكان حقيقاً أن يعد عاجزاً مفرطاً محباً للدناءة مستحقاً للوم؛ فمن ذا الذي يعلم ولا يحتال لغد جهده في الحيلة، ويرفض ما يشغله ويلهيه من شهوات الدنيا وغرورها؟ ولاسيما في هذا الزمان الشبيه بالصافي وهو كدرٌ فإنه وإن كان الملك حازماً عظيم المقدرة، رفيع الهمة بليغ الفحص، عدلاً مرجواً صدوقاً شكوراً، رحب الذراع مفتقداً مواظباً مستمراً عالماً بالناس والأمور، محباً للعلم والخير والأخيار، شديداً على الظلمة، غير جبانٍ وخفيف القياد، رفيقاً بالتوسع على الرعية فيما يحبون، والدفع لما يكرهون؛ فإنا قد نرى الزمان مدبراً بكل مكانٍ، فكأن أمور الصدق قد نزعت من الناس، فأصبح ما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015