آخره، واختلف الأصحاب في مراد الشافعي بذلك:
فقال الإصطخري: مراده: ما اقتضاء ظاهر كلامه، وهو أن يقول: كذبت بما قذفته به ولا أعود إلى مثله، لأنه روى [أن النبي] صلّى الله عليه وسلّم قال: ((توبة القاذف إكذابه نفسه))، قال: ويقول ذلك وإن كان صادقًا في قذفه، لأن الله تعالى قال: {فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13]، فهذا لقب أثبته الشرع، فيكذب القاذف على هذا التأويل نفسه، فإن الشرع سماه: كاذبًا.
قال الإمام: وهذا بعيد، لا أصل له.
وقال أبو إسحاق وابن هريرة وجمهور الأصحاب- كما قال الرافعي، وادعى البندنيجي وابن الصباغ وغيرهما: أنه المذهب-: لا يكلف أن يقول ذلك، فإنه قد يكون صادقًا، فكيف نأمره بأن يكذب، والآية التي ذكرها الإصطخري نزلت في قصة الإفك، وعائشة- رضي الله عنها- كانت مبرأة مما قالوا، فلذلك سماهم الله تعال: كاذبين، ولكن يقول: القذف باطل، وإني نادم على ما فعلت، أو يقول: ما كنت محقًا في قذفي، وقد تبت منه، وما أشبه ذلك.
والخبر محمول على الرجوع والإقرار ببطلان ما صدر منه، فإنه نوع إكذاب، وكذلك لفظ الشافعي، ويؤيده قوله بعد ذلك: ((والتوبة منه أن يقول: القذف باطل))، وعلى هذا قال في ((الحاوي)): هل يحتاج أن يقول في التوبة: ((لا أعود إلى مثله))، أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يحتاج [إليه]، لأن العزم على ترك مثله يغني عنه.
والثاني: لابد أن يقول: لا أعود إلى مثله، لأن القول في هذه التوبة معتبر، والعزم ليس بقول.
قال الرافعي بعد حكاية قول أبي إسحاق: ولا فرق في ذلك بين القذف على