رد شهادة أحد بتأويل- وإن خطأه وضلله- ورآه استحل منه ما حرم عليه، فلا ترد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال. ولأجل هذا قال الإمام: أنا أقول: لا سبيل إلى تكفير المعتزلة ومن في معناهم من أهل الأهواء، اقتداء بالقفال- كما ذكرنا- لأن الشافعي نص في مجموعاته على قبول شهاداتهم، وما نقل عنه من تكفيرهم فهو مجاز، وظني الغالب: أنه ناظره بعضهم فألزمه الكفر عن حجاج، ولم يحكم بكفره، وإذا كان كذلك فسبيلهم في الشهادة كسبيل غيرهم، فينظر إلى العدالة، وهذا هو المذهب لا غير، ومن أجل ذلك قال الغزالي: إن المعتزلة وسائر المبتدعة لا يكفرون وتقبل شهادتهم وإن ضللناهم.

قال الإمام: وقد كان محمد بن إسماعيل البخاري يؤلف مخرجه الصحيح في الروضة بين القبر والمنبر، فقال: رويت عن محمد بن محيريز، فغلبتني عيناي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقال: تروي عن ابن محيريز وهو يطعن في أصحابي؟! - وكان خارجيًا- قال: قلت: يا رسول الله، لكنه ثقة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ((صدقت إنه ثقة، فارو عنه)) فكنت أوري عنه بعد ذلك بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقد حمل الشيخ أبو حامد ومن تبعه قول الشافعي: ((ولا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء)) - على أهل الأهواء في الأحكام التي يسوغ فيها الاجتهاد، وقال: إنه ظاهر في كلامه، لأنه قال في جملة كلامه: ((لم ترد الشهادة بشيء من التأويل، إذا كان له وجه يحتمله))، ثم عطف فقال: ((وكذلك أهل الأهواء))، فثبت أنه أراد به أهل الذين يذهبون إلى تأويل محتمل، وقد نص على أنه لا تقبل شهادة الخوارج والقدرية.

وقوله: ((ولشهادة من يرى كذبه شركًا بالله تعالى ...)) إلى آخره- لا يقدح في هذا النص وإن كان المشار إليهم الخوارج والقدرية، لأنه أراد: أني لا أرد شهادتهم باعتقادهم: أن الكذب كفر، وأنه معصية تجب بها النار، لأن هذا أدعى إلى قبول شهادتهم، لأنهم يجتنبون الزور أكثر من اجتناب غيرهم، ولكن أرد شهادتهم، لأسباب أخر، وهي اعتقادهم خلق القرآن، والقدر، ونفي الرؤية، ونحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015