وأجاب القاضي أبو الطيب عن النظر الذي حكيناه عن المحاملي لما سئل عن في الدرس بأن كلام الأصحاب محمول على ما إذا سمع ذلك في دفعات، وتكرر عليه مع قوم مختلفين في أزمان مختلفة حتى يصير لا يشك فيه، لكثرة تكراره على سمعه، ويصير بمنزلة التواتر عنده، وأنه لا يجوز له التحمل إلا على هذا الوجه.
وقال الشيخ أبو علي: كلامهم في سماع شهادته بالنسب مصور بما إذا كان الشخص معروف النسب من جهة أبيه وأجداده، وليس تعرف نسبته إلى قبيلة بعينها، فشهد أن فلان بن فلان [من بني فلان]، فتثبت هذه الشهادة من الأعمى، فإنه نسب لا يحتاج إلى الإشارة دون ما [إذا] نسب شخصًا إلى شخص، فإنه لا يجد إلى ذلك سبيلًا، كذا حكاه الإمام عنه.
وأبدى الروياني صورة وجد له بها سبيلًا، وهي أن يقول: الرجل الذي صنعته كذا، واسمه كذا، وكيفيته كذا، هو فلان بن فلان، ثم يقال لذلك الرجل: أقم بينة أخرى على أنك الرجل الذي في سوق كذا، واسمك كذا، وكيفيتك كذا، [وصنعتك كذا]، وليس في سوقك من يشتبه معك، إلا أن يشير إلى شخص، ويشهد بنسبه.
وفي ((الحاوي)): أن ما ذكره الأصحاب من سماع شهادته بالملك مفرع على أنه ليس من شرط الشهادة بالملك مشاهدة التصرف [بل تكفي استفاضة الخبر، أما إذا قلنا: لابد من الشهادة بمشاهدة التصرف] مع استفاضة الخبر، فلا تسمع عليه، وهو ما أبداه القاضي الحسين احتمالًا لنفسه، وعليه ينطبق قول القاضي أبي الطيب وغيره: كل ما شرطنا فيه البصر مجردًا، أو البصر والسمع معًا، فإنه لا يقبل فيه شهادة الأعمى.
وكذا الخلاف يجري- كما قال الماوردي- فيما إذا شهد بالزوجية، وسمعنا فيها شهادة البصير بالاستفاضة، كما سيأتي.
ومأخذه: أن مشاهدة الدخول والخروج شرط في هذه الشهادة أم لا؟
وقد أضاف الأصحاب إلى الصورتين المستثناتين صورة ثالثة، وهي سماع